يسرى حسن
عدد الرسائل : 336 تاريخ التسجيل : 27/01/2009
| موضوع: هل مازالت مصر أم الدنيا الجمعة 27 فبراير 2009, 12:45 am | |
| تحليل: داليا زيادة
لست ممن يفضلون دفن رؤوسهم في الرمال و رفض الحقيقة, لذلك سأعترف بشجاعة ممزوجة بحسرة كبيرة أن دور مصر الإقليمي و الدولي في تراجع مخزي, دع جانبا التراجع على المستوى الداخلي الآن و إن كان في الحقيقة وثيق الصلة بالتراجع على المستوى الخارجي, أعترف أمام العالم بلك الحقيقة المؤلمة و أدعوا الجميع داخل و خارج مصر للاعتراف بها لعلها تكون الخطوة الأولى للعلاج, و لسنا هنا بصدد التراجع السياسي فقط و لكن التراجع الفني و الثقافي أيضا, لقد أصبحت مصر مجرد دولة كباقي الدول بعد أن فقدت نفوذها و هيبتها بين الدول العربية, لقد أصبحت مصر فردا من مجموعة تسكن شبه الجزيرة العربية بعد أن كانت و على مر تاريخها الطويل هي الأم التي تراعي و تناقش و تحل المشكلات و تلعب دورا محوريا في كل كبيرة صغيرة و تتحكم في المقدرات – مقدراتها الخاصة و مقدرات المنطقة العربية بل و العالم بأسره, فماذا دهاك يا أم الدنيا؟
يرى البعض أن الدور المصري الإقليمي أخذ في التراجع منذ عام 1967 عندما لاقت مصر ويلات الهزيمة على أيدي الجيش الإسرائيلي فيما عرف وقتها بـ "نكسة 67", مما أفقدها هيبتها و قوتها أمام الدول العربية الأخرى, و لكني لا أعتقد أن ذلك سببا منطقيا يمكن على أساسه تفسير تراجع دور دولة بحجم مصر, فكم من دول غيرها أقل من مصر حجما عانت هزائم أكبر و أفدح من التي عانتها مصر دون أن يؤثر ذلك على دورها السياسي في العالم, فضلا عن أن النصر الذي حققه الجيش المصري الباسل على إسرائيل بعد ذلك عام 1973 قد محا للأبد كل ما يمت للهزيمة بصلة, و على العكس تماما مما يقال فقد أضاف لمصر مكانة أكبر و أكسبها احترام جميع دول العالم التي تؤيد سياساتها و التي لا تؤيدها على حد سواء.
يعتقد البعض الأخر أن تراجع الدور المصري بدأ مع عهد الانفتاح الذي أدخله الرئيس السادات على مصر في سبعينيات القرن الماضي, و الذي كان في الحقيقة أساسا جيدا لفكر اقتصادي مبدع كان ليفيد البلاد كثيرا لو تم تطبيقه بشكل صحيح و تحت إشراف إدارة اقتصادية واعية, لكن غالبا لا تأتي الرياح بما تشتهي السفن, و لا يسمح لنا المجال هنا بالإسهاب في مناقشة تلك النقطة بالتحديد, لكن المقصد هو أن الانفتاح كان إضافة جيدة تعزز من قدر و مكانة مصر و لا يمكن أبدا اعتباره بأي حال من الأحوال سببا في أن تصبح "أم الدنيا" مجرد فردا من أفراد الدنيا في حين يلعب آخرون دورها.
راحت بعض الآراء الأخرى تلصق تهمة التخلف الذي تعانيه مصر على جميع المستويات الآن إلى إقدامها على توقيع معاهدة كامب ديفد سنة 1978, حيث راح أعداء السلام يرددون أن توقيع مصر على معاهدة السلام مع إسرائيل كان إعلان صريح لانفصالها عن أشقائها العرب, في حين أنه في الحقيقة كان مبادرة حسدت بلدان العالم مصر عليها, كما أن التوقيع على معاهدة كامب ديفد قد عزز قدر و مكانة مصر كدولة تؤمن بالسلام و تسعى إلى نشره في جميع أنحاء العالم و جعل منها قدوة و مثلا يحتذى به, أي أنه من المستحيل إلصاق خيبة التراجع بإقدام مصر على هذا الفعل الشجاع تحت أي مسمى.
في حين يرى البعض أيضا أن دور مصر لم يتراجع أبدا و أننا ما زلنا أهم دولة في المنطقة و من هؤلاء الرئيس المصري محمد حسني مبارك شخصيا و الذي لعب دورا كبيرا لا يمكن أن ننكره بأي حال فيما يتعلق بتعزيز دور مصر الإقليمي – العربي و الإفريقي – و الدولي, فقد صرح سيادة الرئيس في حواره مع صحيفة النيويورك تايمز ردا على سؤال حول تراجع دور مصر الواضح في المنطقة و زيادة دور إيران بشكل كبير علي حساب دور مصر بالرفض التام لهذا الكلام و قال أنه ليس هناك من يستطيع القيام بدور مصر, و أتمنى أن يكون قد جانبه الصواب في ذلك.
و على جانب أخر أكد الدكتور مفيد شهاب وزير الدولة للشئون القانونية والمجالس النيابية أن مصر لا تستطيع أن تتخلى - ولن تتخلى - عن دورها العربي لأن أمنها القومي مرتبط بهذه القضايا و نفى سيادة الدكتور شهاب أيضا أن يكون دور مصر قد تراجع من الأصل في التأثير على القضايا العربية, كما صرح أيضا في إحدى جلسات مجلس الشعب أنه لا يمكن القول أن دور مصر العربي قد تراجع لمجرد أن اتفاق المصالحة الفلسطيني قد تم توقيعه في مكة, مشيرا إلى أن طرفي الاتفاق فتح و حماس أكدا أنه لولا ما تم الاتفاق عليه في مصر لما تم اتفاق مكة.
لكن الحقيقة المؤلمة هي أن دور مصر تراجع بالفعل, فعلى أي أساس يمكن لنا تفسير تولي المملكة العربية السعودية عجلة القيادة في لقاء مكة الذي أسفر عن تصالح تاريخي بين شقي الصراع الفلسطيني- الفلسطيني (فتح و حماس), و على أي أساس يمكن أن نفسر اللقاء الذي تم بين إيران و المملكة العربية السعودية بوصفها ممثلا للجانب العربي بغرض تحسين العلاقات مع إيران, و تأمين أو ربما محاولة تغيير المصير المتوقع للعلاقات العربية – الإيرانية.
و بعيدا عن الجانب السياسي يمكن لأي متابع للحركة الإعلامية و الفنية و الثقافية إدراك التخلف الذي أصاب مصر فيها جميعا, فبعد أن كانت مصر هي المركز الإعلامي الأول في المنطقة العربية أصبح هو أقلهم أهمية إذا ما قورن بالقنوات الفضائية العملاقة و المؤثرة و التي تبث من دول أخرى غير مصر أهمها على الإطلاق قناة الجزيرة القطرية الأصل و قناة العربية الإماراتية, و من ناحية أخرى ستتخلى مصر قريبا عن لقبها الأثير "هوليود الشرق" بعد أن تدهور حال الإنتاج السينمائي بها و انحصر في عدد من النجوم و الأفلام المتشابهة في الشكل و المضمون, حتى أصبحنا ننتظر بالأعوام لنرى عملا جيدا يشجع أحدنا للذهاب إلى السينما التي كانت دائما النزهة الرئيسية للمصريين.
لقد تخلت مصر عن دورها الفني لكل من لبنان و سوريا, فقد أصبحت لبنان الآن هي مفرخة الموسيقيين و أصبحت سوريا الآن هي عملاق الدراما الذي لا يمكن لدولة عربية بما فيها مصر المنافسة على عرشها, و على الجانب الثقافي يكفينا فقط الإشارة إلى الصورة المخزية التي خرج بها معرض القاهرة الدولي للكتاب في يناير 2007, يكفينا أن نرى أعوام تمر وراء بعضها البعض دون أن يصدر في مصر كتابا يستحق بسبب التراجع المخيف في حركة النشر و الترجمة بوجه عام, في حين نرى دولا أخرى مثل الكويت تصدر أعدادا هائلة من الكتب و المجلات و المطبوعات الأخرى على اختلاف تسمياتها تخدم جميعا الجانب القافي العربي في تجربة تستحق أن نحني لها جميعا الجباه شكرا و فخرا.
المسألة لا تتعلق من قريب أو بعيد بما قد يعتبره البعض أنانية أو حب إمتلاك تأصل في قلوب و وجدان المصريين منذ عهد الفراعنة و لكن الحقيقة – إذا أردناها عارية – ستأخذنا إلى محاولة لتأمل المصير الذي قد يؤل إليه الحال إذا ما تخلت مصر عن دورها بهذه البساطة – سواء إرغاما عليها أو إهمالا منها, حيث أن الولايات المتحدة الأمريكية عندما اختارت مصر حليفا استراتيجيا لها و راحت تغدق عليها بالمعونات – على حد علمنا – كانت مصر تتمتع بنفوذ و تأثير قوي على بقية الدول العربية و الإفريقية, أما اليوم و غدا بعد أن يزداد تهميش الدور المصري أكثر و أكثر, ستخسر مصر تلك العلاقة مع الولايات المتحدة و التي سيكون من الغباء أن ننكر مدى أهميتها بالنسبة لمصر من حيث ضمان استقرارها السياسي و الاقتصادي, و تلك هي أقل الخسائر إذا ما وضعنا في حسباننا ألاف الخسائر الأخرى التي قد تنتج عن تورط مصر دوليا و إقليميا فيما لا يحمد عقباه.
و إنني أري و أؤكد على أن السبب الحقيقي وراء تراجع الدور المصري في كافة المجالات السياسية و الاقتصادية و الفنية و الثقافية ليس هو نكسة 1967 و ليس أيضا الانفتاح الاقتصادي الذي شهدته السبعينيات و ليس هو أيضا إقدام مصر على توقيع معاهدة كامب ديفد عام 1978, و لكن السبب بمنتهى البساطة هو الخواء الذي أصاب مصر من الداخل فجعلها مثل هيكل ضخم من الصلصال – صنم من الأصنام التي كانوا يعبدونها في الجاهلية – لا ينفع و لا يضر غيره لأنه في الواقع لا يعرف كيف ينفع نفسه.
فهل لنا أن نتكاتف لنصلح مصرنا من الداخل حتى نستعيد دورها – أو قدرها في لعب هذا الدور – على المستوى الخارجي؟ حال مصر لن يستقيم بدون إصلاح داخلي! فلنخرج رؤوسنا من الرمال إن كنا نريد استعادة مصر إلى عرشها فوق الدنيا إن كنا ما زلنا نحلم بها أماً للدنيا.
منقول من ثروة مصر | |
|
zerocool
عدد الرسائل : 550 العمر : 34 تاريخ التسجيل : 11/11/2008
| موضوع: رد: هل مازالت مصر أم الدنيا الجمعة 27 فبراير 2009, 3:29 pm | |
| | |
|