البلاسـتيك المسـموم!
نحو مليون طن سنويا في مقالب القمامة:
44 ألف طن مخلفات البلاستيك يوميا
في المحافظات تتجاوز قيمتها5,5 مليار جنيه سنويا
تحقيق: نادية يوسف
في أقل من شهر تم ضبط أطنان من مخلفات المستشفيات وتخزينها في أماكن مختلفة تمهيدا لتوريدها لمصانع بلاستيك بير السلم لإعادة تصنيعها مرة أخري بكل ما تحمله من أمراض قاتلة للإنسان دون أدني وازع من ضمير ودون رقابة علي هذه المصانع مع غياب قوة القانون التي تحرم بيع مخلفات المستشفيات بشكل عام وتلزم بدفنها دفنا صحيا أو اعدامها نظرا لعدم جواز استخدام هذه المخلفات في أي صناعة بل وخطورتها
خاصة لو كانت تستخدم لصنع بعض الأواني التي يعبأ بها الطعام أو العاب الأطفال أو حتي أدوات النظافة أو أكياس القمامة وغيرها.
والسؤال هنا لماذا لم يلجأ أصحاب المصانع البلاستيك للحصول علي المادة الخام للبلاستيك؟ أو استخدام بلاستيك غير ملوث لتدويره بشكل سليم؟ ولماذا تواجه صناعة تدوير مخلفات البلاستيك كل هذه المشاكل المعقدة التي يكون دائما ضحيتها الإنسان المصري.
يوضح حامد موسي رئيس شعبة صناعة البلاستيك أن صناعة البلاستيك لها أهمية علي مستوي العالم فهي مرتبطة بحياة الإنسان منذ استيقاظه من النوم وحتي نهاية اليوم كما أن البلاستيك مؤثر في تكلفة أي منتج آخر لأنه يدخل في معظم الصناعات مثل الكابلات والكمبيوتر والصرف الصحي وأسعار البلاستيك مرتبطة بالبترول.
وشعبة البلاستيك تضم1500 مصنع مسجل رغم أن عضو الشعبة يستفيد من المنح الواردة من الخارج خاصة لتحديث الصناعة ومعظمها من الاتحاد الأوروبي ولذلك فإن معظم مصانع البلاستيك غير المرخصة محرومة من التطوير الصناعي والتكنولوجي ويضيف أن المواد الخام الخاصة بالبلاستيك معظمها مستورد وجزء منها محلي ولكن المشكلة المؤرقة هي ما يباع خارج المصنع مثل المخلفات والأشياء المحطمة وجميعها ضارة جدا بالصحة ومجهولة المصدر ومنها مخلفات مستشفيات محملة بالأمراض المختلفة..
وهناك دراسة أعدتها الشعبة تكشف عن أن هناك أكثر من16 مليون طن من مخلفات القمامة علي مستوي مصر منها6% مخلفات بلاستيك أي نحو970 الف طن والخطورة تكمن في اعادة استخدام هذه الأطنان لأن بها مخلفات مستشفيات وتختلط بها مبيدات والمفروض أن جميعها يدفن ولا يعاد استخدامه مرة أخري علي الإطلاق.
فالمشكلة تبدأ في مرحلة الجمع والفرز لأن كل منتج له خواص ويجب أن تجمع الأشياء المتشابهة في مكان واحد ثم يعاد غسلها بطريقة معينة ثم تجفيفها وتعقيمها وغسلها مرة أخري ثم تكسيرها وإعادة التعقيم مرة أخري وتجفيفها وتحويلها الي خرز ثم تدمج مع خام بكر ويعاد التصنيع مرة أخري.
وكشفت الدراسة عن أن أكثر الأماكن التي يوجد بها البلاستيك المسموم هي مناطق صفط اللبن والدويقة والقليوبية والجيزة ومدينة السلام وغيرها من المناطق النائية والعشوائية التي لا تقوم بالخطوات السابق ذكرها. فكل من يعمل في هذا المجال ليس لديه وعي أو أجهزة علمية لقياس التلوث وكل الخطوات تتم بطريقة بدائية فوق الأسطح والضرر البالغ الذي يعود علي الإنسان من استخدام مصنوعات البلاستيك التي تستخدم هذه المخرجات الملوثة
ويضيف حامد موسي أنه يمكن لكل صاحب مصنع ولديه الرغبة في تصحيح وضعه أن يدخل مظلة اتحاد الصناعات الذي يموله ويعطية المنحة والمساعدة الفنية حتي لايضر بصحة الانسان, فإعادة تدوير المخلفات لها أصول عملية وتحتاج إلي خبرة كبيرة والطريف أن جامعي القمامة الآن متخصصون في جمع مخلفات البلاستيك وتفتيتها والبعض اضاف خطوط تخزين البلاستيك
وفي الوقت الذي تحاول فيه تقنين اوضاعهم للاسف الشديد فإن هناك مجموعة من اصحاب هذه المصانع بحثوا عن مظلة الشرعية فاتجهوا إلي إحدي المحافظات التابعين لها لتقنين اوضاعهم فلم تقم المحافظة الا بتحرير مخالفات لهم من حين لآخر بحجة وجود قرار للجنة الوزارية صدر عام2005 تحت رقم1215 بحظر إقامة المصانع خارج المناطق الصناعية وهذه المصانع مقامة من قبل صدور هذا القرار بفترات مختلفة ولابد من إعادة النظر في هؤلاء حتي نتمكن جميعا من الاستفادة منهم وبهم وذلك لن يأتي الا بإحكام الرقابة علي هذه المصانع لان عدد المصانع المسجل لايتعدي50% من المصانع الموجودة علي ارض الواقع.
وبالطبع الرقابة لن تحدث الا بتطوير جهاز الرقابة علي مصانع البلاستيك والجهاز للاسف مكون من ثلاث سيدات احداهن خرجت للمعاش وبالتالي لايمكن لسيدتين أن تراقبا وحدهما صناعة بهذه الضخامة وقد قدمت اقتراحا بتطوير جهاز الرقابة بحيث يتم تقسيم القاهرة الكبري إلي12 منطقة يعمل في كل منها مندوب مؤهل علميا من خلال حصولة علي دورات متخصصة وبذلك يكون هناك عدد كبير من المتخصصين لمراقبة هذه المصانع غير الشرعية بمساعدة تكنولوجيا البلاستيك بالإسكندرية ولابد أن تكون هناك بداية حقيقية لتنفيذ الخطة القومية لاعادة تدوير مخلفات البلاستيك لانها ثروات مهدرة تبلغ5,5 مليار جنيه سنويا من مخرجات26 محافظة بنحو43835 طنا يوميا.
مشاكل العاملين
ومن خلال المسح الذي تم علي العاملين في اعادة تدوير البلاستيك تبين معاناتهم من عدة مشكلات منها ان نسبه تلوث البلاستيك عالية وتتطلب كفاءة عالية ومكلفة في الغسيل وهناك ضعف وعدم تنظيم لمهنة الجمع وعدم وجود خطط دعم فني أو مالي حكومي في مجال أعادة التدوير وعدم وجود التشريعات التي تشرع اعادة تدوير البلاستيك وعدم وجود اتصال بين مصنعي البلاستيك والمستهلكين وشركات اعادة التدوير وصعوبة الحصول علي ترخيص لإنشاء شركة اعادة تدوير البلاستيك وحظر استيراد البلاستيك وفقا للقانون رقم2002/65 الذي يعتبر النفايات البلاستيكية من النفايات الخطيرة وعدم وجود تنظيم لجامعي النفايات مما يسبب تقلبات قوية في الأسعار.
ميزة تنافسية
ويوضح الدكتور هاني بركات وكيل أول وزارة التجارة والصناعة ورئيس قطاع التنمية التكنولوجية أن قطاع البلاستيك من القطاعات المهمة التي تدخل في العديد من الصناعات وهناك أكثر من2000 شركة تعمل في مجال البلاستيك وتضم أكثر من200,000 عامل في مجالات مختلفة وتعتبر مادة البلاستيك من أهم القطاعات التي تنمو نموا مطردا في مصر.
فمصر تنتج مادة البوليمان ولذلك فلديها ميزة تنافسية ولديها تعميق للتصنيع المحلي وقليلا ما تستورد مادة خاما فيما عدا بعض الخامات المتميزة.
وتعميق التصنيع المحلي وتطوير المعدات والأصطمبات التي تحكم تطوير هذا القطاع أيضا تدريب العمالة وتطويرها ومنع الممارسات الضارة والكارثة كانت تحدث عندما يأخذ البعض مخلفات المستشفيات ويعيد تصنيعها.
ويضيف المهندس هاني بركات وكيل أول وزارة التجارة أن المشكلة الحقيقية هي المنتجات التي تباع علي الرصيف التي يكون مصدرها صناعة غير مشروعة وهي تمثل خطورة داهمة علي صحة الأنسان المصري فهي بالكامل غير مطابقة للمواصفات ومجهولة المصدر وينصح بالابتعاد عنها حتي لو كانت رخيصة الثمن لانها تجارة غير مقننة تتعامل مع صناعة غير مقننة وأنصح الجميع بالاقتصار علي شراء الأدوات المنزلية المرتبطة بالطعام والكهرباء والأسلاك من محلات مرخصة ومعتمدة للوقاية من الضرر أو الحرائق..
وتوضح المهدنسة نجوي محمد محمود المضادي رئيس مركز تكنولوجيا البلاستيك بوزارة التجارة والصناعة بالأسكندرية أن المخلفات البلاستيكية يصعب التخلص منها بالدفن حيث إنها لا تتحلل بسهولة فهذا يؤدي إلي ظهور مشاكل بيئية خطيرة في المدفن والمناطق المجاورة لها ولذا يوصي بتشجيع الصناعات الصغيرة لاعادة تدوير المخلفات البلاستيكية لما له من فوائد اقتصادية وبيئية علما بأن استهلاك المواد البلاستيكية يزداد سنويا بنسبة10,8% وفقا لزيادة السكان وزيادة استهلاك المواد البلاستيكية.
وأكدت أن قطاع إعادة تدوير المخلفات البلاستيكية يعاني من العديد المشاكل من أهمها صعوبة استخراج التراخيص مما يؤدي إلي تهرب معظم المصنعين والعمل بدون ترخيص لنجد في النهاية ان عدد المصانع المسجلة بهيئة التنمية الصناعية لا تمثل2% من إجمالي المصانع الموجودة بالفعل, كما ان الفرز والغسيل يحتاج لتكنولوجيا غير متوافرة لاعطاء المنتج جودة عالية ولا يوجد التزام بالمواصفات القياسية لعملية إعادة تدوير البلاستيك كما أنه لا يوجد قانون يجبر علي إعادة تدوير هالك المصانع وإعادة استخدامه بطريقة صحيحة وعدم توافر التوعية لدي المستهلك بصلاحية استخدام المنتجات من المواد المعاد تدويرها
أيضا هناك مشاكل جمع القمامة ومافيا الزبالين مما يؤدي إلي عدم استقرار الأسعار وعدم توافر تدريب علي كيفية إجراء التدوير بطريقة صحيحة وعدم توافر تمويلات وتسهيلات لتدعيم الصناعات الصغيرة للنهوض بأداء القطاع.
تحقيقات الاهرام 22/2/2009