ما بين الروتين والنمطية والبخل والحنين إلى الماضي، تتعدد أسباب حرص بعض الرجال على طول العِشْرة مع الملابس القديمة، حتى لو تسبب ذلك في حرج عائلي، ومشاكل يومية مع الزوجة والأولاد.
يقول مروان فتحي، موظف علاقات عامة، وأحد أولئك الذين يعشقون تراثهم الشخصي من «البِدَل» والسراويل، ولا يفرطون فيه بسهولة، أو يقتربون من محلات الملابس في مطلع كل صيف أو شتاء على عادة الأسوياء: «تمسُّكي بطاقم معين محبَّب إليّ، حتى ولو أصبح بالياً، أو قديماً، أقرب لضمان الأناقة، من المجازفة بشيء لا أضمن ردود فعل الناس عليه وإعجابهم به.
صحيح أن لديّ أكثر من بدلة، وأهدتْني زوجتي كمّاً من القمصان، ورابطات العنق، لكني في الغالب أجد نفسي أميَل إلى ارتداء البدلة التي أحبها، وإلى الإكسسوارات التي اعتدت ارتداءها، لأن انطباع الناس عنها وصلني بأنه طقم أنيق، ومن النادر أن يجمع الناس على شيء اليوم».
أما جميل فوزي، وهو مصوِّر سينمائي، فيُبدي سبباً آخر لارتداء ملابس وإكسسوارات بعينها أطول فترة ممكنة، فيقول «الرجل أكثر وفاءً من المرأة في المحافظة على مقتنياته، فعندما يعتاد شيئاً ويحبّه، فمن النادر أن يستغني عنه، وتتجلى تلك الظاهرة كثيراً في الملابس والأحذية والساعات، ولو كانت قديمة، أو بها عيوب، فإنه سيتعمد إصلاحها، أو التحايل عليها حتى لا تظهر للعيان.
والموضوع هنا له علاقة بالحالة النفسية للرجل، خاصة تجاه ما يحبه، بينما من السهل علي المرأة تماماً، بل ربما من الضروري، أن تعيش التجديد طوال الوقت في كل ما يتعلق بحياتها، أحياناً أشعر أنه لو استطاعت تغييري، لقامت بذلك بدون تردد».
هدى أحمد، مَرّ على زواجها أكثر من ثلاثين عاماً، وتُقسِم أن زوجها الدكتور يحتفظ بأحذية وملابس ومقتنيات خاصة، منذ فترة زواجهما الأولى: «من الصعب، بل من المستحيل أن يفرِّط زوجي في أي مقتنيات خاصة به، خاصة الأحذية والبدلات ورابطات العنق، والنتيجة تراكم مقتنياته بشكل يسمح بفتح محل للملابس».
ولكن هدى تواجه مشكلة كبرى مع حرص زوجها الشديد على مقتنياته فتقول: «تخزين هذه الأشياء أمْرٌ صعب للغاية، والمحافظة عليها نظيفة ومرتبة أكثر صعوبة، خاصة أننا نعيش في مساحة محددة، لن تتسع بالطبع بمرور الزمن».
وتضحك هدى قائلة: «الملابس الداخلية هي الشيء الوحيد الذي أستطيع أن أتخلص منه بسهولة، إذا ما قَدِمتْ أو بليتْ بإلقائها أولاً بأول، لأنها في الغالب لون واحد وشكل واحد، ونقصان بعضها لا يلفت النظر، لأن الجديد يحلّ محلها بسهولة، دون أن يشعر زوجي بالأمر، فهو يقيم الدنيا ولا يقعدها، إذا ما تهوَّرَ أحد من أفراد الأسرة وتخلص من شيء قديم من ملابسه أو أحذيته».
وتقول مروة عبد الله، وهي زوجة شابة، في هذا الصدد: «اعتاد زوجي الاحتفاظ بملابسه القديمة منذ 5 سنوات، عمر زواجنا، وأعتقد أن الأمر له علاقة بتشبُّثِه بوالدته التي يحبها حباً جماً، ويرتبط بها بشدة.
فهو ابنها المدلَّل، وهي التي تشتري له أشياءه الخاصة، وهذا الأمر تسبب في مشادّات كثيرة بيني وبينه، واعتقدت الأم أني أغار من ملابس زوجي، فاشترت لي أيضاً ملابس جديدة، ولكني أوضحت لها أنني أحب أن أشتري أنا وزوجي ملابسه وملابسي معاً، فهذا يقرّبنا من بعضنا أكثر، ويجمع ذوقينا في صفات مشتركة».
إذا كان التشبث بالأم والتعلق بها أصل معاناة مروة، فإن النمطية هي سر تعاسة علا عادل مع زوجها وملابسه القديمة، تقول علا: زوجي رجل ميسور، ولكنه روتيني إلى أقصى درجة، وكأنه مبرمج على كل الأشياء التي يفعلها، بداية من طريقة استيقاظه في الصباح، إلى خلوده إلى النوم، فهو لا يتغير، ولا يريد أن يتغير أيضاً، وحبذا لو أن كل الأشخاص الذين حوله لا يتغيرون كذلك، سواء في مظهرهم أو حياتهم.
مللتُ كثيراً من الحديث عن وجوب تغيير مظهر زوجي الروتيني، وطريقة ارتدائه للملابس، خاصة القديمة منها، بل أصبحت أشعر بالخجل من مظهره، خاصة ملابس المنزل، المليئة بالثقوب، لكنه لا يريد أن يتغير، ويتساءل مستنكراً: «ما الداعي للجديد؟ ألا تقوم ملابسي بمهمتها وتستر جسدي؟»، ثم يتهمني بالسطحية وحب المظاهر، بل يرفض لبس الجديد في حالة شرائي له، وكأن الأمر تحدٍّ.
وعلى الرغم من كل الانتقادات التي يوجهها الكثيرون، خاصة الزوجات إلى الرجال «القدامى»، فإن بعض الاختبارات النفسية المنشورة على الإنترنت تشير إلى أن الشخص الذي يحب اقتناء الملابس القديمة، هو شخص متفائل، يفضل القيام بالأشياء المقتنع بها فقط، كما أنه عملي، يفضل التوفير والاقتصاد، ويتعلم من خبرات الماضي، كما أنه وفيّ للمحيطين به، ومن الصعب أن يخونهم.
ويفسِّر استشاري العلاقات الاجتماعية والتنمية البشرية، الدكتور رضا السنوسي، لـ«الشرق الأوسط» عبودية الرجال لمقتنياتهم القديمة قائلة: إن هذه الظاهرة غالباً ما تصيب الإنسان كلّما تقدمت به السن، وإن ظهرت في مراحل مبكرة من العمر، فهي في الغالب أقرب للتقليد والتعود، وهذا التشبث، الذي في غير محله، بأشياء لا حاجة لها، له علاقة بالحنين إلى الماضي والتشبث بالذكريات والوفاء لها.
أيضاً من خلال نماذج مادية معينة كالملابس والأحذية مثلاً، وربما أحياناً قصاصات الورق أو الصور القديمة، وما شابهها من الأشياء التي ترتبط لدى الإنسان بماضيه، سواء القريب منها أو البعيد.
وتشير إلى أن ارتداء الشخص لملابسه القديمة وتشبثه بها ليس بالضرورة تحدياً، بقدر ما يكون لمجرد الانغماس في شخصية مستقلة، تفعل ما تريد، وتفرض أيضاً شخصيتها على المحيطين بها، وهي في الغالب شخصية عنيدة صعبة التغيير والتكيُّف مع أي واقع جديد.