بعد حرب إسرائيل ضد جنوب لبنان نظمت فرنسا مؤتمرا عالميا من أجل إعمار لبنان, وبعد أن قامت الترسانة العسكرية الأمريكية بتدمير العراق, نظمت اسبانيا مؤتمرا عالميا من اجل اعادة اعمار ما هدمته أمريكا, ثم قامت الترسانة الإسرائيلية مرة اخري بتدمير غزة وسحق شعبها لاجيال قادمة, فتم تنظيم مؤتمر عالمي في شرم الشيخ لاعادة اعمارها, وكأن دول العالم, خاصة الدول العربية النفطية, باتت هي التي تتحمل مسئولية اعادة بناء ما تدمره إسرائيل وأمريكا. ولكن في الواقع فان عملية اعمار غزة يجب ان تتناول بشيء كبير من الحذر.
أولا: لان إسرائيل التي قامت بالهجوم المكثف علي القطاع الصغير بعد19 شهرا من الحصار والحظر الاقتصادي عليه, قصدت التدمير الكامل ليس فقط للمساكن والبنية التحتية وكل ما له صلة بكيان الدولة, بل ايضا للانسان الفلسطيني والذي سيظل يعاني لاجيال عديدة قادمة, كما قصدت إسرائيل استخدام اسلحة حارقة مثل القنابل الفسفورية, التي تعتبر في الاعراف الدولية اسلحة دمار شامل لانها تدمر البيئة والمناخ والتربة, كما تحرق الاجساد الصغيرة, وتظل تنشط كلما اقترب احد من مكانها أو تلامست مع الهواء, ولقد ألمح بعض الخبراء إلي أن تلك الأسلحة التي تلقتها إسرائيل من الولايات المتحدة استخدمت في غزة علي سبيل اختبارها, وذلك جريمة اخري تضاف إلي كل جرائم إسرائيل ضد الانسانية.
ثانيا: إسرائيل باعتبارها سلطة احتلال, تقع عليها مسئولية المحافظة علي المنشآت في الدولة التي تحتلها, حسب القوانين الدولية, كما تقع عليها مسئولية حماية المدنيين الذين يقعون تحت سلطتها, ولكن مايحدث هو العكس, فان إسرائيل هي التي تقوم بالاضرار بكل المنشآت والبشر, وهي جريمة أخري تضاف إلي جرائمها ضد السلام.
ثالثا: تحصل إسرائيل علي كل المساعدات المادية والعسكرية من الولايات المتحدة, والتي تستخدمها في هجماتها علي المناطق العربية علي حدودها, ثم يتم تنظيم مؤتمر للدول المانحة لمنح مساعدات مادية يقال إنها ستؤول إلي الشعب الفلسطيني, ولكن في الحقيقة ستذهب إلي الشركات الكبري التي هي في الاصل غربية, وهي التي ستقوم بمهام اعادة الاعمار, فان كانت الادارة الأمريكية قد اعلنت تقديم900 مليون دولار مساعدات إلي حكومة سلام فياض وغزة, فلا ننسي انها كانت قد تعهدت إلي إسرائيل بتقديمها30 مليار دولار كمساعدات دفاعية حتي نهاية عام2017.
رابعا: تقول الصحفية الإسرائيلية عميرا هاس, ان المجتمع الدولي تعهد بتقديم مئات ملايين من اليورو معونات ومنح لغزة, وكأن الدمار حدث نتيجة كارثة طبيعية, وفي نفس الوقت تستمر أوروبا في دعم علاقاتها التجارية مع إسرائيل التي تبيع لاوروبا المعلومات العسكرية والدفاعية التي حصلت عليها نتيجة لظروف الاحتلال وتحليلها لتأثير الاسلحة الجديدة التي تستخدمها ضد المدنيين الفلسطينيين, الذين تعتبرهم الصحفية الإسرائيلية بمثابة مختبر علمي, وذلك جريمة اخري تضاف إلي جرائم الحرب التي ترتكبها إسرائيل ضد الفلسطينيين.
ان محاولات اعادة اعمار غزة قبل اجراء تحقيق دولي حقيقي فيما حدث بالفعل هناك خلال32 يوما من الدك والقصف والتدمير باسلحة محرمة دوليا استخدمت لاختبارها, سوف يمحو كل أدلة علي الجريمة البشعة التي ارتكبتها إسرائيل, كما ان التحول إلي الدول العربية والمجتمع الدولي لاعادة بناء ما دمرته إسرائيل, ينفي عنها المسئولية, نفس تلك المسئولية التي تحملها الدولة العبرية علي كل الدول الأوروبية التي كانت لها يد من قريب أو بعيد في الجرائم التي ارتكبتها النازية ضد اليهود في الحرب العالمية الثانية, ومازالت إلي اليوم تفرض عليهم دفع التعويضات والاعتراف بجريمتهم والاعتذار عنها. فان كانت إسرائيل تعمل علي ألا ينسي العالم المحرقة والابادة الجماعية ضد اليهود في الاربعينيات من القرن الماضي, فيجب ألا ينسي العالم كله الجرائم التي يرتكبها ابناء واحفاد ضحايا المحرقة اليهود ضد الأطفال والنساء والمدنيين من الشعب الفلسطيني, ويجب ان يتحملوا مسئوليتها امام التاريخ.