كيف يعود الوئام إلي الأسرة المصرية؟
كتبت : ميرفت عبد التواب
لن نكرر هنا سرد ظواهر اختلال الأسرة المصرية, فهي عديدة وواضحة لنا جميعا.. يكفي أن نطالع صفحات الجرائد ونتابع اخبار الحوادث التي تملأها.. فقط سنحاول هنا تحديد المشكلة والعلاج من أجل عودة الأسرة المصرية لما كانت عليه من الترابط والتراحم والقيم والمباديء.
فتري الدكتورة مديحة الصفتي استاذ علم الاجتماع بالجامعة الأمريكية وجود خلل في النسق القيمي للمجتمع وأسباب هي طغيان المادية علي الفكر مما انسي الجميع المباديء والقيم ونهج الأبناء علي البحث عن الهوامش والفراغات والتقليد الاعمي للغرب وحياة بلا رقابة من الأسرة.. فالتنشئة مبتورة لأن الأب يبحث عن المال بحجة توفير حياة كريمة والأم تعمل والأبناء في الدرجة العاشرة من اهتماماتهما فلا قدوة أو تربية بل يتمتع الأبناء بحرية كاملة فاضطربت العلاقات الاجتماعية نتيجة ضياع الاتجاهات الصحيحة والأخلاق وافرز ذلك جيلا بلا انتماء لا يعرف عن القيم أي شيء لأنه بلا قدوة أو معلم واندثرت الأسرة التي كانت تقوي بالأب ونصح الأم ومشورة العم والخال وحضور الكبير.
أما الدكتور صفوت كامل استاذ علم النفس التربوي بجامعة القاهرة فيري ان تأنيث الأسرة واحادية العائل هما السبب في هذا الخلل لأن الأب موجود وغائب مسافر وزائر لفترة قصيرة لا تسمح له بالتقرب من الأبناء لمعرفة مشكلاتهم وحتي في الطبقات الفقيرة نجد الأب بلا عمل والأم تعمل فيفقد الأبناء احترام الأب غير المسئول وتكون النقمة علي الظروف ويتولد العنف وكراهية المجتمع.. وقديما كان باستطاعة الأم الانفراد بادارة الأسرة.. وتحمل كل أعباء التنشئة وكانت تنجح وهو ما يعني تأنيث الأسرة لكن في أيامنا الحالية لا يمكن الاكتفاء بأحادية العائل لأن الصغار يتحدثون بلغة لا تدركها الأم وتنشب الخلافات بين العائل والأبن فإما يخرج للشارع بما فيه أو يهلك بمشورة الزملاء ما بين ادمان وارهاب وسلوكيات عنيفة لذلك صار الشباب اليوم رخوا حائرا وقلقا وسلبيا وخرجت الأسرة عن المعايير والقيم القديمة.
ويعلن الدكتور سيد صبحي رئيس قسم علم النفس بجامعة عين شمس خطة دافعة في يد المصلحين الاجتماعيين لانقاذ الأسرة مما أصابها ملخصها ان الفقر والظروف الاقتصادية ليسا السبب الأساسي في خلل الأسرة لأن هناك ترابطا في الأسرة المفككة ورضا عند الكثيرين منهم والعكس عند الطبقة المتوسطة والثرية التي لا تكتفي بالماديات ولا يعنيها إلا الحصول عليها وتتمزق أمامها كل الروابط والمباديء وما يجب البحث فيه هو سمات وخصائص الشخصية المصرية اليوم والعلة التي اصابتها مدركين أن نتائج تفاعل الشخصية مع العوامل البيئية والفطرية والظروف الاجتماعية والاقتصادية والثقافية المتدنية واضطراب التنشئة الاجتماعية هو ما نراه اليوم من تفكك للعلاقات الحميمية بين أفراد الأسرة الواحدة وعدم رقابة الوالدين فاللاب توب عليه أسرار البنات والشباب ودخلت المحرمات البيوت في حضور الوالدين اللذين لا يفعلان إلا الجري لسد احتياجات الحياة دون الالتفات إلي الأبناء وتربيتهم لذلك يجب عودة الأسرة لدورها الأساسي ومعها المدرسة التربوية وظهور جديد للاخصائي الاجتماعي مع دور مكثف للاعلام لتوجيه الأسرة للتربية الصحيحة فالأبناء والأمهات يحتاجون إلي تربية قبل الأبناء.
ثم يطرح الدكتور جمال زهران استاذ ورئيس قسم العلوم السياسية بجامعة قناة السويس اجندة عمل للخروج بالأسرة من مأزقها يتم فيها تحديد الادوار والمسئولية لكل من الأسرة والمدرسة والتعليم ووسائل الاعلام والأحزاب السياسية والجمعيات الأهلية ورجال الدين بحيث يكون لكل منها برنامج يعرف لماذا أصيب العمود الفقري للمجتمع بالضعف في ظل المتغيرات التي طرأت عليه وتكون البداية بالأسرة التي كانت قديما تجتمع علي شاي العصاري للتحاور وتبادل المشاعر ومائدة الغذاء التي يحرص عليها كل افراد العائلة وهو عكس ما يحدث اليوم لأن كل فرد فيها أصبح لا يلتفت إلا لنفسه: فالتنشئة الأسرية هي المكون الحقيقي للنشء الذي لا يعرف ثقافة المواطنة وأن الالحاح علي الانتماء هو جزء من ثقافة المسئولية التي تعلمه ما له وما عليه والحقوق والواجبات لانه لو علمها لما خرج علينا الشباب بثقافة الآخر فشرد بعيدا عن المجتمع بتقاليده وقيمه ومبادئه.
وأشار د. جمال إلي أن قنوات الاتصال في بنائنا الثقافي تلعب دورا مهما في انساقنا الاجتماعية لدرجة تؤثر في التركيب العائلي وأسلوب المعيشة وانماط السلوك وأن الدين سواء الاسلامي أو المسيحي يدعم الأسرة بالمباديء والقيم التي تحميها فيجب العودة إليه.
اما الدكتورة مني ذكي استاذ الاستراتيجية بالجامعة الامريكية فتري منهجية تربوية تتوافق مع معطيات الواقع المعاش موضحة ان الأسرة تعاني من عدم الوعي بحاجات الأفراد الأساسية.. فالأبناء يحتاجون لما هو أسمي من المأكل والمشرب وهو الأشباع النفسي والتربوي والتوجيهي لتشكيل التفكير الفردي والجماعي ليتبلور بعد ذلك في المباديء والمثل والانسانيات التي يفتقدها الجيل اليوم بل وتعاني منها الأسرة في داخلها.. فلا حنو أو تقدير من الأبناء للأباء وغابت الرحمة والتعاطف بين الأسرة التي خاصم فيها الأب الأخ والعم وقاطعت الأم الخالة والعمة واهتزت رؤية الشباب الايجابية وأصابهم عدم الرضا والتسيب واللامبالاة وارتفعت نسبة العنوسة وزادت نسبة الطلاق نتيجة خلل المفاهيم والتربية.. لذلك يجب عودة الأسرة لاداء دورها في تعليم الأبناء الدين والمباديء والأصول المتعارف عليها والحقوق والواجبات ليس لاستقرار الأسرة فقط بل من أجل الاستقرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي والأمني للبلاد.
روشتة للعلاج
بعد آراء المختصين نجمع الرؤي في محاولة لطرحها علي أصحاب القرار من أجل عودة الأسرة المصرية لاصالتها وقيمها ببرنامج يكون أولوياته:
ـ أسرة تعود لدورها الاشباعي للأبناء نفسيا واجتماعيا وتربويا وتوجيهيا.
ـ التصدي للظواهر للاسرية ومعدلات الانحراف والبحث عن أسبابها وعلاجها.
ـ وضع استراتيجية لتقوية الأسرة ومدها بالدعم والمشورة من خلال تعاون مجالس حكماء ذوي خبرة لحل المشكلات التي تتعرض لها.
ـ دور مكثف للأجهزة الاعلامية كي تساهم في بناء الأسرة ببرامج هادفة لاصول التربية ومعاملة الصغار ومشاكل المراهقة والرضا والتسامح وتقدير الوالدين واحترام الكبار وتقديس الوطن والانتماء له والبعد بهم عن السلبية والفساد والرشوة والجحود والنكران.
ـ من أجل البناء والتطور وخطط التنمية يجب أن تكون الأسرة أولي اهتمامات الحكومة. ويبقي تساؤل أين تذهب الأبحاث التي يجريها المركز القومي للبحوث الاجتماعية ولماذا لا نستفيد من فكر العلماء والمتخصصين والباحثين في قضايا المجتمع والتي أساسها الأسرة؟