تطورت الحياة وتغيرت الأوضاع الاجتماعية، لكن الانثى، بداخل المرأة لم تتغير كثيرا. وحسب ما تؤكده التجارب والحياة، لا تزال السلطة والنفوذ عندما يتمتع بهما الرجل يعتبران عنصري جذب قويين يشدان شريحة معينة من النساء.
شريحة لم تعد تنجذب نحو الرجل فقط لوسامته أو جاهه أو أخلاقه أو أناقته، بل لحجم قوته، بمعناها السلطوي، أو لحجم الأضواء المسلطة عليه، وكأن لا شيء يعيب شخصية «سي السيد» التي رسمها الاديب الراحل نجيب محفوظ في ثلاثيته.
ففي النفوذ والقدرة على السيطرة ما يشعرها بالحماية، ويجعلها تتغاضى أحيانا عن الظلم المرافق عادة لصاحب هذه الشخصية. استاذ علم الاجتماع، عبدو قاعي، يعزو الأسباب الكامنة وراء اعجاب تلك الشريحة بالرجال الذين يتمتّعون بأي نوع من النفوذ، الى السعي للحصول على كل ما يكتسب قيمة معينة في المجتمع، خصوصا أن المجتمع بات يعطي أهمية كبيرة للمظاهر الخارجية أيا كانت هويتها، وبالتالي فإن الفتاة تتأثر بهذه النظرة وتنجذب الى كل من هو مرغوب من حولها وفي الأوساط التي تعيش فيها.
ويضيف «عندما تجتمع عناصر السلطة الجاذبة في هذا الرجل، تشعر الفتاة أنها وجدت الشخصية التي تبحث عنها، والتي ستؤمن لها الاستقرار المعنوي او المادي».
الملاحظ أن صاحب النفوذ المادي أو المعنوي، أو حتى الفني، يحرك غريزة هذه الشريحة ويشد أنفاسها، فتقع في حبه من دون تفكير، وهي جاذبية تولدها السلطة التي لا تحددها معايير جمالية ظاهرية من حيث الشكل، بل تأتي كالضربة القاضية من دون مقدمات أو استئذان.
فالكاريزما هنا ليست سوى اشارات ومواقف يجسدها الرجل، فتختصر كل صفات الشخصية الجذابة بمعزل عن المقاييس الكلاسيكية. هذا لا يعني أن السلطة تقتصر على تلك المتمثلة بقوة الشخصية، فالمعروف ان الرجل قد يستمد سلطته وفي أحيان كثيرة من القدرة المالية التي تطغى على ما عداها من قدرات، ضاربة بعرض الحائط المعايير الجمالية التي «لا تسمن ولا تغني من جوع».
ورغم اعتراض الكثيرين على هذا الرأي مبررين وجهة نظرهم بالقول اللبناني المعروف «يا آخذ القبيح على ماله، بكرا بروح المال ويبقى القبيح على حاله»، يبقى لسلطة المال مركزها الاجتماعي محتلة الأولويات الأساسية في سلّم اهتمامات البعض. وبالطبع تؤثر في شخصية الرجل، لأنها تمنحه سلطة مضاعفة فتكون بذلك كمن فاز بعصفورين بدل واحد.
من جهة أخرى لا يعيق ضعف الامكانات المادية سلطة الرجل المستمدة من طباع وصفات يتميز بها وتمنحه خصوصية ينفرد بها عن غيره. وليس غريبا مثلا أن نجد فتاة لا يزيد عمرها على الـ 25 تقرر الارتباط برجل تعدى الـ 50 رغم أنه لا يملك المال الكثير، ولكنها تتحدّى الجميع لأنها ترى فيه الرجل المثقّف، الذي يثبت اينما وجد حضوره وشخصيته، وليس شرطا أن ينسحب ذلك على مظهره الخارجي الذي قد يكون بعيدا تماما عن صورة فارس الأحلام في مخيلة بنات جيلها.
وتبرر نسبة كبيرة من النساء حبهن لهذه الشخصية من الرجال لسحر معين يعجزن عن تفسيره، مع أنه لا يخضع للمعايير الجمالية المتعارف عليها أو لأي اعتبارات اخرى تفرضها التقاليد والمجتمع.
فمثلا للمدير تأثيره، أحيانا، فيشكل حلما يراود الموظفات، لما له من شخصية مهيبة يحترمها البعض ويخافها البعض الآخر، لكن الصورة قد تهتز في حال ما اقتربت من «الرمز» لتكتشف طبيعته الانسانية او صفاته بمعزل عن الهالة، التي تكون قد رسمتها له في خيالها في عالم المكتب الصغير، وقد يصل الامر الى درجة الصدمة في بعض الاحيان
ويعتبر قاعي أنه عندما تتشكّل عناصر الجذب من خارج طبيعة الانسان الحقيقية، فلا بد أن يأتي يوم ويخف وهجها وليس ببعيد ان تنتهي كليا. ويكثر في معظم الدول الانجذاب الى رجال السياسة وزعمائها الذين لا يتمتعون بأي صفات جمالية، ومع ذلك يتركون بصمة راسخة في عقول النساء ليس الا لكونهم يتمتعون بسلطة يظهرون من خلالها بصورة الرجل القادر والقوي، مع العلم أن زيجات هؤلاء تتعدى في معظم الاحيان الزواج الواحد وقد تصل الى اثنتين أو ثلاث اذا لم نحتسب علاقاتهم الكثيرة. ويبقى هذا الأمر مقبولا في الأوساط الاجتماعية التي لا تقبل بمثل هذا الأمر في حال قام به رجل عادي، بدليل أن معظم اصحاب السلطة يحظون بفرصة الارتباط مرات عدة، في حين يقف فشل الزواج السابق عائقا امام امكانية تعدّد علاقات الاشخاص العاديين.
في هذا الاطار وفي السياسة العربية بشكل خاص كان يتمتّع الملك فاروق المعروف بـ«تواضعه الجمالي» بوقع خاص لدى النساء اللواتي كن يتوددن إليه، بالرغم من تسلطه وقسوته.
كذلك ذاع صيت رجل الدين الروسي «راسبوتين» المولود في عائلة ريفية فقيرة والمعروف بقبحه وعدم اهتمامه بمظهره الخارجي، إلا أن شخصيته الساحرة والكاريزماتية شكلت عامل جذب للعديد من النساء، حتى أنه يقال ان زوجة القيصر الامبراطورة ألكسندرا فيوديوروفونا عشقته.
وغير بعيد عن هذا الواقع، اتسمت أخيرا طلة الملحن اللبناني الذي تعدى عمره الأربعين نقولا سعادة نخلة، بسحر خاص لدى النساء اللواتي يجدن فيه رجل أحلامهن فيصفنه بـ «الرجل الحقيقي».
دخوله إلى عالم أحلامهن من الباب الفني أكسبه ما يمكن تسميته بـ«السلطة الفنية»، وان سألناهن عن سر هذا الاعجاب فلا يكون جوابهن مستندا الى الجمال الخارجي الذي يعترفن بأن نخلة لا يتمتّع به مقارنة بغيره من النجوم الشباب الصغار، بل بكاريزما عامة تجمع بين طياتها صفات متعددة لتشكل طلة الرجل البهية.
والأمر نفسه ينطبق على عدد كبير من المشاهير، لا سيما الممثلين منهم والفنانين. وفي الغرب لا تقل الظاهرة كثيرا عما هو شائع في المجتمعات العربية، اذ يغزو الشاشات الممثلون الذين يتمتعون بطلة «كاريزماتية» من دون أن يتمتعوا بما هو متعارف عليه في القواعد الجمالية وخير مثال على ذلك الممثل الأميركي «جاك نيكلسون» الذي بالرغم من بلوغه سن الـ 71 لا يزال محافظا على سطوته في «الأوساط النسائية» ويضاعف «شيبه من هيبته» التي تأسر النساء.
كذلك تبقى حياة الامبراطور الفرنسي نابوليون بونابرت شاهدة على قدرة السلطة والشهرة في استقطاب المعجبات وأجمل النساء، حتى وإن لم يتمتع الرجل بالطول أو الوسامة وغيرهما من المواصفات التي تتراجع بشكل كبير أمام القوة.
ويبقى الرجل على مر العمر ذو الشخصية الجبروتية المثيرة