تموت الأسد في الغابات جوعا
دائما أتذكر هذا البيت من الشعر:
تموت الأسد في الغابات جوعا..
ولحم الضأن تأكله الكلاب
أتذكره عندما تصادفني هذه المشاهد, خصوصا عندما قرأت في بريد الأهرام رسالة من أستاذ جامعي تجاوز السبعين من عمره كان يسرد التداعيات المؤسفة للقانون الجائر الذي صدر عام2000 والذي يقضي بإحالة الأساتذة الجامعيين الي التقاعد النهائي, والترجمة الاقتصادية لهذا القانون تعني هبوط دخل هؤلاء الاساتذة الي النصف بعد حرمانهم من جميع البدلات والمكافآت الخاصة بالتصحيح وزيادة النصاب والجودة وقد فشلت المحاولات التي قامت بها نوادي أعضاء هيئات التدريس وجماعة9 مارس بالجامعات المصرية لإلغاء هذا القانون وعندما أقارن وضع هؤلاء الأساتذة الذين أفنوا أعمارهم في تربية الأجيال الجامعية وانتاج المعرفة العلمية ـ عندما أقارنهم بتجار السلاح والمخدرات الذين ينتشرون في بعض قرانا ومدننا والسماسرة ونهابي البنوك ومغتصبي الأراضي وسائر الفئات الطفيلية التي تحفل بها ملفات الفساد في بلادنا خلال ربع القرن الأخير أتعجب واتساءل: كيف تستقيم الحياة وبناة فكرها ومعلمو اجيالها تضيق عليهم سبل الحياة الكريمة في محطاتهم الأخيرة
ويصل الأمر الي الحد الذي يشير اليه صاحب الرسالة المذكورة بقوله انني من الفئة التي لم تضع المال هدفا لها ووهبت حياتي للعلم والبحث العلمي فأحرزت نجاحا وتقديرا في الأوساط الأكاديمية العالمية والمحلية, كما ربيت تلاميذ كثيرين أعتز بنبوغهم وكفاءتهم في مختلف المواقع المهنية التي يشغلونها ولم يخطر علي بالي قط انني سوف اواجه هذه المحنة في مرحلة حرجة من حياتي.
أيضا اتذكر هذا البيت من الشعر عندما ألمح النساء والرجال محدثي النعمة وهم يملأون عشرات العربات داخل أكبر محلات السوبر ماركت بجميع أصناف اللحوم والفاكهة والخضراوات والحلويات غالية الثمن ويخرجون الي سياراتهم يملؤهم الزهو وينظرون بتأفف وتعال الي عشرات الصبية من الفقراء الذين يتجمعون حول السيارات الفارهة يستخدون القروش كي يقيموا بها أودهم لأنهم لم يتذوقوا الطعام منذ عدة أيام, وقد تذكرته أخيرا عندما تسلمت شيكا بمبلغ79 جنيها من المجلس الأعلي للجامعات مقابل الجهد الذي بذلته في تقييم رسالة ماجستير باللغة الانجليزية صادرة عن الجامعة الأمريكية لمعادلتها بالماجستير التي تمنحها كلية الاعلام ـ جامعة القاهرة لتأهيل صاحبها للتسجيل لدرجة الدكتوراة في الاعلام من كلية الاعلام
ويبلغ حجم الرسالة300 صفحة وقد قضيت أسبوعين في قراءتها وتقييمها, ولم استطع ان امنع نفسي من مقارنة جهدي بجهد السباك غير المؤهل لممارسة هذه الحرفة والذي أصر علي ان يحصل علي50 جنيها مقابل تسليك البالوعة في10 دقائق وطاقم اشباه الحرفيين المتخصصين في اصلاح السيارات والذين دأبوا علي التهام مايزيد علي300 جنيه شهريا لاصلاح مايسرقه ويخربه زملاؤهم من معدات في سيارتي.. الأساتذة يحتاجون الي نظرة جديدة من الحكومة.
د. عواطف عبد الرحمن