تشهد الساحة الإعلامية تطورا علميا وتكنولوجيا كبيرا في شتي وسائل الاتصال بما جعل العالم قرية الكترونية, خاصة بعد انتشار تكنولوجيا الاقمار الصناعية وشبكة المعلومات الدولية( الإنترنت), ولقد ساعد وجود هذه الوسائل الحديثة علي تخطي حواجز الزمان والمكان وبث ثقافات مختلفة عبر القنوات الفضائية وشبكة الانترنت بكل ماتحمله من أفكار وقيم وصور وسهولة استقبالها من جميع الشعوب في العالم.
لقد أصبح المواطن العربي في ظل هذا الواقع الإعلامي الجديد محاصرا بكم هائل من الرسائل الاعلامية التي تتفق في بعضها مع قيمه وأخلاقياته وثقافته ولكنها في الجانب الأكبر منها تقدم مضامين ومعلومات وصورا مشوهة من جانب بعض الدول أو الهيئات أو الافراد عن الشعوب والدول الاخري مما يجعل الفضائيات والإنترنت وسائل اتصالية خطيرة في تزييف الواقع الخاص بشعب من الشعوب في العالم, والمتابع لهذه الرسائل يلحظ تشويها متعمدا لكثير من الدول والشعوب والثقافات والأديان والتاريخ وغيرها مما يؤدي إلي نقل معلومات مضللة أومشوهة إلي الجماهير, وفضلا عن ذلك ماتروجه هذه الوسائل من مضامين إباحية يمكن أن تسهم في تدمير منظومة القيم التربوية والاخلاقية عند الشباب والمراهقين والاطفال في الوطن العربي.
وفي إطار هذا الواقع الثقافي الجديد بإيجابياته وسلبياته والذي أفرزته لنا تكنولوجيا الاتصال الحديثة يكون من الضروري أن نفكر في الاسلوب المناسب الذي يحمي الاجيال الجديدة من الشباب والمراهقين والاطفال من التأثيرات السلبية للرسائل الضخمة المنقولة عبر الفضائيات والإنترنت, ومن هنا أصبح من الضروري ان يهتم العالم العربي بنشر وتعليم مباديء التربية الاعلامية وهي تعد ثورة جديدة في مجال الإعلام, وهذه الثورة تضع أسس التعامل مع الرسائل التي يتعرض لها الجمهور علي مدي اليوم من خلال وسائل الاعلام المختلفة, ولقد حرصت منظمة اليونسكو في اطار مسئولياتها الثقافية علي نشر وتعليم مباديء التربية الإعلامية,
وذلك سعيا لتطوير مضمون المواد الإعلامية في الصحف والاذاعة والتليفزيون والانترنت من أجل المساعدة علي تجنب الجمهور الآثار السلبية لهذه الوسائل, وفضلا عن ذلك تطوير مهارات التفكير النقدي نحو مضامين وسائل الاعلام لدي قطاعات الجماهير المختلفة حتي يمكنهم حسن التعامل والاستخدام مع ما تقدمه وسائل الاعلام, وارساء أسس استخدام المضامين المتعددة التي تتيح فرص الاختيار أمام الجماهير, مع دعم فكرة تدريس مباديء التربية الإعلامية ومهارات الاتصال في المناهج المدرسية, وكذلك تدعيم دور الاسرة والمدرسة في نشر مفاهيم التربية الإعلامية لدي الابناء والطلاب.
لاشك أن تعلم مباديء التربية الاعلامية يساعد علي أن يكون المواطنون في خصائص أفضل من حيث امكانية التعامل مع المضامين الإعلامية, وعلي الرغم من تعدد اتجاهات التربية الإعلامية نجد أنها تركز علي أهداف بعينها مثل تعليم الناس تأثيرات وأشكال وجماليات وسائل الاعلام, وتعليمهم كيفية تقييم الرسائل التي يتعرضون لها, وكيفية التأثير علي هذه الوسائل, ويضاف إلي ذلك ان التربية الإعلامية تعد وسيلة مهمة للاطفال والمراهقين وأفراد المجتمع لتوعيتهم وتحصينهم ضد التأثيرات السلبية لوسائل الاعلام, كما أنها تساعد الافراد علي معرفة دور وسائل الاعلام في المجتمع, وتعد النظرة النقدية حاسمة ومهمة في التربية الاعلامية, وبهذه النظرة يفهم الأفراد أن هناك مشكلات في نظم وسائل الاعلام, واذا تكاملت مناهج الدراسة في مؤسسات التعليم مع قواعد التربية الإعلامية فسوف يؤدي ذلك إلي وجود شباب نشيط يرغب في تطوير المجتمع.
ان الغرض الاساسي للتربية الاعلامية ليس فقط تكوين الوعي النقدي ولكن تكوين الحكم الذاتي المستقل بشأن الرسائل المختلفة في وسائل الإعلام بمعني تعلم عملية تكوين الاحكام الذاتية التي تمكنه من مواجهة وسائل الاعلام طيلة حياته, كما ان التفكير النقدي في بعض المهارات يجعل الافراد يناقشون القضايا العامة بوسائل الاعلام حتي يقوموا بردود أفعال حاسمة تجاه هذه الوسائل وتعد الأسرة والمدرسة هما جوهر التربية الاعلامية, ويعد دور الأسرة أكبر من دور المدرسة والجمعيات والقوانين الحكومية فالوالدان في موقع قوة وفي مكانة فريدة تمكنهما من السيطرة علي الابناء فيما يتعلق بعادات استخدام وسائل الاعلام. ويمكن للوالدين تعليم أبنائهم أسس التربية الاعلامية مع الأخذ في الاعتبار انها عملية تستمر مدي الحياة ويتركز دور الأسرة في ترتيب المنزل ليكون بيئة إعلامية إيجابية, ووضع قواعد عادلة وواضحة بشأن استخدام وسائل الاعلام في الاسرة وتشجيع المشاهدة النقدية والنشيطة التليفزيون والمواد الأخري التي تقدمها وسائل الاعلام.
لقد فرض الواقع الاعلامي المعاصر, وخاصة في الفضائيات والإنترنت ضرورة التنبيه إلي وضع قواعد وآليات لاساليب تعامل الشباب والمراهقين والاطفال مع ما تقدمه الفضائيات والانترنت حرصا علي سلامة البناء القيمي والأخلاقي في المجتمعات العربية, ولو ترك الأمر علي ماهو عليه من عزوف الاسرة والمدرسة عن القيام بدورهما التربوي فان ناقوس الخطر يدق بشدة علي مستقبل الاجيال الجديدة لعله في ظل هذا الواقع الذي أوجدته تكنولوجيا الاعلام والاتصال يكون من الضروري البحث عن أساليب جديدة لتوعية المواطن وتحصينه ضد التأثيرات السلبية لوسائل الاعلام, ومن هنا أصبح تعليم مباديء التربية الاعلامية أمرا ذا أهمية وضرورة.