موضوع: قراءة فى ... أوضاع مصر المقلوبة الجزء الاول الجمعة 13 مارس 2009, 4:45 pm
فاض الكيل بأهل مصر بعد أن اختلطت الأوراق، وتاهت المعايير، واستوطن الفساد البيوت والعقول، وأصبح الغش في كل شئ عنوانا للحياة.
ياالله! هل يعقل أن تصبح مصر "مأوى" للانتهازيين والمعولمين، وطالبي الثراء بأي ثمن ليفر الأمان من أرضها التي كانت يوما طيبة؟! وأخيرا عندما يشعر مواطنها البسيط أنها لم تعد بلاده وأنه أصبح غريبا بين أهلها..فهي إذن الكارثة!! هذه بعض الأوجاع التي يرصدها د.سعيد اللاوندي في كتابه "أوجاع مصرية" الصادر عن دار نهضة مصر في 275 صفحة.
وصف د.محمد غنيم أستاذ علم الاجتماع والانثروبولوجيا الكتاب بأنه أمتع ما قرأ عام 2008 مضيفا: لأن سعيد اللاوندي في كتابه كان كالكاتب الذي يستعمل مشرط، فيضع يده على مواطن الألم وسبب المشكلات.
وفي حديثه عن الكتاب أوضح الكاتب اللبناني فرحان صالح: أن كتاب د. سعيد هو أوجاع عربية وليس مصرية فقط لأن هناك قاسم مشترك فيما هو موجود في مصر من أوجاع وكذلك كل قطر عربي. كل ما كتب عنه اللاوندي نراه في لبنان، الجزائر، اليمن، السعودية وغيرها.
الكتاب ينقسم إلى خمسة فصول ويبدأ بأبيات شعرية للرائع فاروق جويدة:
كم عشت أسأل أين وجه بلادي أين النخيل، وأين دفء الوادي؟
يهدي المؤلف كتابه إلى فاروق جويدة الذي يصفه بأنه "قلب ينبض بالحب لمصر وأهلها..".
"الخبز" و"الأحذية"!
كتب د. اللاوندي تحت عنوان "الخبز تحت الأقدام والأحذية في الفاترينة !" قائلا: زار صديق فرنسي مصر للمرة الأولى وبعد عودته سالما سألته عن ما أعجبه في مصر، وكانت المفاجأة أن شيئا لم يعجبه باستثناء الأهرامات لكن ما لفت نظره بشدة كما قال لي هو أن أشياء كثيرة تسير بالمقلوب في مصر، وعندما استوضحته الأمر أجاب بأنه شاهد لأول مرة في حياته أناسا يركبون الأتوبيس من الشباك وليس من الباب كما يحدث في باقي دول العالم.
أما أغرب الأشياء التي وقف لها شعر صديقي الفرنسي أنه وجد الخبز يباع مفروشا على الأرض، تغمره الأتربة وتستقر فوقه عوادم السيارات بينما ترتفع الأحذية معلقة داخل "فاترينات" فضفاضة ونظيفة، وتساءل صديقي الفرنسي معلقا بحزن: كيف يحدث ذلك في بلد سبعة الآلاف حضارة؟.
وتحت عنوان "الشهادات الجامعية المصرية .. شيك بدون رصيد" يقول المؤلف: .."إن أدبيات وقواعد البحث العلمي والأكاديمي في جامعاتنا ومراكزنا العلمية في حاجة إلى مراجعة، وإعادة تصويب لأن ما كان صالحا في زمن الآلة الكاتبة لم يعد صالحا في عصر الكمبيوتر والإيميل، وعلينا أن نواجه هذه المشكلة على الفور لكي تستعيد جامعاتنا المصرية سمعتها التي كانت، وكلنا يعرف بأسى أن التصنيف الدولي لأهم 500 جامعة في العالم لم نعثر فيه على جامعة مصرية واحدة، كما أن بعض الدول العربية تضع شرطا للعمل فيها هو أن تعيد امتحان المهندسين والأطباء المصريين، وهذا لا معنى له سوى عدم الثقة في الأبحاث والأطروحات والدرجات والشهادات المصرية".
تصدير الأوبئة
يعبر مؤسس المركز المصري لحوار الثقافات في باريس د.سعيد اللاوندي عن غضبه من الأوضاع في مصر قائلا تحت عنوان "زعلان منك يا مصر" أن مشكلة الدروس الخصوصية في مصر مثار تهكم من الصغير قبل الكبير ليس في مصر وحدها وإنما في العالم أجمع ويسوق الكاتب أمثلة على ذلك نذكر منها:
- في البلاد العربية تسخر الرسوم الكاريكاتورية من المدرسين المصريين الذين نقلوا معهم إلى دول الخليج الفول والطعمية والدروس الخصوصية!.
- وفي الدول الغربية وتحديدا الأوروبية نشر المصريون عادة الدروس الخصوصية بين التلاميذ من أبناء الجالية..مما أثار استياء الكثيرين، خصوصا عندما حاول أحد المدرسين المصريين إقناع أولياء أمور "مغاربة" بإعطاء دروس مسائية لأولادهم في المنازل أو في مجموعات.
- ضمن الدوائر الأوروبية في بروكسل المهتمة بالتعليم يتهمون مصر بأنها تتعمد غض الطرف عن مشكلة الدروس الخصوصية حتى تزداد تفاقما وسوءا..وعند درجة معينة تتدخل الحكومة المصرية لتعلن خصخصة التعليم بشكل نهائي ويكون مبررها أن التعليم الحكومي لم يعد موثوقا به والدليل على ذلك هو لجوء التلاميذ إلى الدروس الخصوصية التي ليست سوى أحد أشكال الخصخصة.
هذا ما يُقال بشكل أساسي تفسيرا لعجز الدولة في مصر عن حل مشكلة الدروس الخصوصية، بكلام آخر كما يقول المؤلف: نحن في قفص الاتهام لأننا ننقل أوبئتنا الاجتماعية إلى دول "شقيقة" باتت تضج بالشكوى من سلوكياتنا داخل مجتمعاتها ومؤسساتها التعليمية.
جوانتانامو
يقول المؤلف في فصل بعنوان "رؤساء يتجسسون على شعوبهم" "..لقد هالتني إجابة وقعت عليها بطريق المصادفة ومنسوبة إلى أحد المراكز الباريسية المتخصصة في شئون الشرق الأوسط تقول: إن سبب امتناع بعض الرؤساء عن التعليق على الجرائم التي ترتكب في حق المواطنين العرب في أبو غريب وجوانتانامو أنهم "متورطون" فهم الذين أرشدوا عن هؤلاء المساكين، لتضعهم الإدارة الأمريكية وراء القضبان، وتفعل فيهم ما يندي له الجبين خجلا، على نحو ما فضحت الصور التي انتشرت كالأوبئة عبر النت والصحف والفضائيات!!.
وتذكر الشروحات الصادرة عن نفس المركز البحثي في باريس أن شيئا كهذا وقع مع "الحوثي" المتهم بالإرهاب، الذي اغتالته القوات الأمريكية في أثناء سيره في بلده "اليمن" بعد أن وصلت معلومات تكشف مكان وجوده وزمان تحركاته، وتكرر المشهد نفسه مع أشخاص في الجزيرة العربية، والأردن وتونس.
وتذكر الوقائع القريبة أن بعض القادة لا يكتفون بالتجسس على مواطنيهم ولكن أيضا يتجسسون على بعضهم بعضا، فإحدى القمم العربية – وهذه واقعة يعرفها الكثيرون – كانت تُنقل وقائع جلساتها السرية مباشرة إلى إسرائيل عبر أجهزة تنصت دقيقة تم تركيبها في قاعة الاجتماعات "بمساعدة مهندسين إسرائيليين!!".
ويعلق اللاوندي قائلا: اللافت للنظر أن معاركنا مع الغرب الاستعماري قد خسرناها جميعا دون أن نحارب، فالسماسرة وتجار الأسلحة الفاسدة أفقدونا حرب 1948، و"جوسسة" البعض على قواتنا المسلحة أضاعت منا حرب 1967 وهو ما يعني أننا لم نحارب وإنما كنا ضحية الجواسيس حكاما ومحكومين.
تحت عنوان "ياعزيزي كلنا مجرمون" يؤكد المؤلف أن "واقعة وسط البلد" كما يطلق عليها وما حدث فيها من تحرش جنسي هي نتيجة طبيعية لفشل أسلوبنا في التعامل مع الشباب دينيا وتعليميا وثقافيا. نعم خطابنا في هذه المجالات الثلاثة خطاب أهطل ومعوج ولا معنى له، فدعاة الدين التقليديون مصرون على التحدث عن الدين تربويا من منظور الثعبان الأقرع وعذاب القبر، والدعاة المحدثون من خالعي العمامة والقفطان عمدوا إلى جر الشباب وراءهم نحو دين ليس له من الدين سوى الاسم.