سافر معيداً وعاد بـ «ماجستير ودكتوراه» لكن الجامعة تصر علي تعيينه معيداً عشرين عاما قضاها د. محمد رشيد وجيه، خبير الوراثة الجزئية، والبيوتكنولوجي في العمل والأبحاث، حصل خلالها علي درجتي الماجستير والدكتوراه من جامعة كوينزلاند الأسترالية، وعاد بعدها إلي مصر ليفاجأ بقرار جامعة الإسكندرية تعيينه بدرجة معيد، التي سافر بها قبل ٢٠ عاما، كان وجيه قد عين فور تخرجه معيداً في كلية زراعة الإسكندرية عام ١٩٧٨، وسافر بعدها بخمس سنوات إلي أستراليا ضمن بعثة الجامعة وأنتج مجموعة من الأبحاث المتقدمة، لكن كل هذا لم يضعه مسؤولو الجامعة في حسابهم، وأصروا علي قرارهم. ويتساءل وجيه: متي يقدر المصريون نبوغ علمائهم، ويتمسكون بهم، بدلا من عمليات «التطفيش» التي تمارس ضدهم أولاً بأول؟أقرأ تفاصيل أكثر[size=18]هذه الحكاية الفاضحة التي سأرويها لكم، يعرفها جيداً الدكتور هاني هلال، وزير التعليم العالي، ويحفظها عن ظهر قلب رؤساء جامعة الإسكندرية وعمداء زراعة الإسكندرية، الذين تعاقبوا علي الجامعة والكلية خلال الأعوام الخمسة عشر الأخيرة ولكني سأحكيها هنا، لعل أحداً يتحرك ويضع حلاً لهذه المهزلة التي تنطوي علي سلوك انتقامي، أعتقد أنه أهم أسباب الخراب الذي نعيشه، في عام 1978، تم تعيين الدكتور محمد رشيد وجيه، معيداً بقسم الوراثة في زراعة الإسكندرية، وفي عام 1983 تم ترشيحه لمنحة علمية في الوراثة، مقدمة للدولة من جامعة كوينزلاند في أستراليا، وقضي الرجل هناك 5 سنوات، حصل خلالها علي درجة الدكتوراه، عاد الدكتور وجيه من أستراليا وتسلم العمل في قسم الوراثة بزراعة الإسكندرية في 4/9/1989، عقب تسليم الرسالة للممتحنين، وأخذ ينتظر صدور قرار القسم بتعيينه في وظيفة مدرس، ولأسباب إدارية عقيمة تأخر تشكيل اللجنة العلمية الثلاثية المختصة بمطابقة رسالته بتخصص علم الوراثة حتي 10/3/1990، وقضت اللجنة أربعة شهور في فحص الرسالة، انتهت بعدها إلي قرار كارثي مضمون الرسالة ليس في مجال علم الوراثة، سارع الدكتور وجيه بمخاطبة جامعة كوينزلاند، التي وجهت خطابات رسمية إلي جامعة الإسكندرية وكلية الزراعة وقسم الوراثة، تؤكد أن مجال تخصص الرسالة هو علم الوراثة، وتم استخراج شهادة دكتوراه، محدد بها التخصص الدقيق للرسالة الوراثة الزراعية والبيوتكنولوجي، ولكن مجلس قسم الوراثة بزراعة الإسكندرية أصر علي موقفه، ورفض تعيين الرجل في وظيفة مدرس بالقسم دون مبرر والصحيح، أن المبرر كان موجوداً، ولكنه آنذاك لم يخطر علي بال الدكتور وجيه، الذي كان عائداً من أستراليا مفعماً برغبة عارمة في وضع خبرته في خدمة تقدم وطنه.. وآنذاك أسندت إليه وزارة الزراعة قبل 9 أيام فقط من فحص اللجنة رسالته، إدارة المشروع القومي المتكامل لتطبيق وسائل زراعة الأنسجة والهندسة الوراثية لتحسين محصول القصب برأسمال ثلاثة ونصف مليون جنيه، وبعد 10 أيام أخري تم تعيينه باحثاً رئيسياً لمشروع شركة السكر والصناعات التكاملية لتحسين القصب برأسمال أكثر من أتنين مليون جنيه، وفي ضربة واحدة اجتمع مجلس قسم الوراثة بزراعة الإسكندرية ورفض المشروعين، لمجرد إسنادهما إلي هذا الشاب العائد من أستراليا، وبعد ثلاثة شهور أخري صدر قرار اللجنة الثلاثية، الذي نص علي أن مضمون رسالته ليس في مجال علم الوراثة، وبالتالي لا يجوز تعيينه في وظيفة مدرس بالقسم، أصيب الدكتور وجيه بحالة قرف، دفعته إلي التقدم بطلب إجازة لمرافقة زوجته التي كانت تدرس الدكتوراه في أستراليا، فوافق مجلس قسم الوراثة علي الإجازة، وتضمنت الموافقة وقف تعيينه في وظيفة مدرس لحين عودته من الإجازة، في 26/11/1993، تقدم الدكتور وجيه باستقالة مسببة لحث الجامعة علي التحقيق في قضيته، ولكن الاستقالة لم تقبل ولم تنظر الجامعة في أسبابها، وبدلاً من ذلك قام قسم الوراثة بإنهاء خدمته في 12/12/1993، وظل الرجل يقاضي الجامعة والكلية وقسم الوراثة لمدة عشر سنوات، حتي حصل علي حكم قضائي نهائي بإلغاء قرار إنهاء خدمته وما ترتب عليه في مارس 2003، الأكثر عجباً ومسخرة، أن كلية الزراعة، جامعة الإسكندرية، قامت بدعوة الدكتور محمد وجيه أكثر من مرة أثناء عمله في أستراليا ورشحه مجلس الكلية لمنصب أستاذ غير متفرغ بقسم الوراثة الذي رفض الترشح ومنعه من تسلم العمل
ورشحه عميد الكلية لمنصب المدير العام للوكالة الأفريقية للبيوتكنولوجي والأمان الحيوي، وفي أستراليا، حصل الدكتور محمد رشيد وجيه، علي درجة أستاذ مساعد، ثم درجة أستاذ، وتم تعيينه مديراً لمركز البيوتكنولوجي بجامعة بابوا نيوجين، كما عينه معهد بحوث الهندسة الوراثية بجامعة لويس باستير الفرنسية أستاذاً زائراً، مرة أخري، عاد الدكتور محمد وجيه إلي مصر، بعد أن أصبح واحداً من أهم الخبراء الدوليين في مجال الهندسة الوراثية، وفي 10/6/2006 صدّق رئيس جامعة الإسكندرية علي ما انتهت إليه إدارة الفتوي بالجامعة، تنفيذاً لحكم القضاء الإداري، وشملت التوصية، أولاً تسلمه العمل بقسم الوراثة تمهيداً، ثانياً اتخاذ إجراءات تعيينه في وظيفة مدرس بالقسم، وفي 21/6/2006 تسلم الأستاذ الدكتور عمله معيداً في قسم الوراثة.. وهي ذاتها الوظيفة التي بدأ بها فى السبعينيات من القرن الماضى، وبعد 6 شهور من تنفيذ الشق الأول من التوصية، صدر قرار قسم الوراثة برفض اتخاذ إجراءات تعيين الدكتور محمد وجيه في وظيفة مدرس بالقسم ذاته، والتوصية برفع مذكرة لرئيس الجامعة تقترح تسكينه في قسم آخر، خلاف قسم الوراثة، وإلي الآن وبعد 17 عاماً من الانتقام، لايزال الأستاذ الدكتور والخبير الدولي المرموق يجلس علي كرسي خشبي مكسور في حجرة مكدسة بأبنائه وزملائه المعيدين، حتي يكون عبرة لكل من يجرؤ علي التميز العلمي، وحتي يتفرغ جهابذة علم الوراثة لمهمة تحنيط هذا الوطن في متحف السلالات المنقرضة
بقلم محمد البرغوثي - كاتب فى جريدة المصرى اليوم إدارة منتديات مصريين جدعان:- الموضوعات والآراء المنشورة لا تعبر إلا عن آراء كتابها